يعرف التنمر انتشارا واسعا بين الأطفال في سن المدرسة ويعد مشكلة حقيقية في الولايات المتحدة.
فلو كان الأمر بسيطا يحتاج إلى حل سحري لتم اقتراحه وتنفيذه منذ فترة طويلة للقضاء على هذه المشكلة العويصة ولما احتجنا للتفكير فيه والكتابة عنه.
إن وضع حد للتنمر ينطوي على إصلاح شامل في الثقافة المدرسية، كما يحتاج إلى إقناع الشباب والبالغين أيضا باستخدام القوة الاجتماعية بشكل عادل وعقلاني في كل الأوقات.
المحتوى
كيف يمكن للمهنيين وأولياء الأمور المساعدة على وضع حد للتنمر في المدارس؟
إن تغيير الديناميات البشرية، كما هو معلوم، ليس بالأمر السهل ولا يتحقق بالسرعة المرجوة.
وهذا هو الجانب السيء في الموضوع. أما الجانب الإيجابي في المسألة هو أن الحلول المعقدة التي تستغرق وقتا طويلا تتغلب عليها الأعمال الصغيرة والأفعال القوية التي يمكن أن يستعملها الراشدون الموثوق بهم كإشارات موجهة إلى الأطفال لكي يدركوا أن كرامتهم أمر بالغ الأهمية وأن سلامتهم ذات أولوية كبرى.
ولأجل تبسيط مسألة معقدة ودقيقة جدا في أوساط الشباب، وعلى أمل إنشاء خارطة طريق للمدرسين والمستشارين والعاملين الشباب وكذا الآباء والأولياء، نعرض لكم في ما يأتي ست استراتيجيات بسيطة للرفع من مستوى مقاربتنا للتنمر في المدارس :
التعرف على التنمر
يجب فهم الفرق بين اللفظ العفوي أو غير المتعمد والأفعال العنيفة القاسية التي تصدر عن صاحبها بالعمد والإصرار.
ففي الوقت الذي لا نرغب في أي من هذه الحالات، التي ينبغي أن يتصدى لها الكبار العقلاء بكل حزم، إلا أن الحالة الثانية هي التي تتميز بسمات التنمر وتتطلب منا تدخلات خاصة.
إن فكرة وضع كل السلوكيات السيئة في سلة التنمر يدفع إلى التشاؤم الذي نخسر معه الوقت والموارد بعيدا عن مشكلة الأطفال الضعفاء الذين هم في أشد الحاجة إليها.
التواصل مع الاطفال
في كثير من الأحيان، لا يصل إلى علم الكبار حوادث التنمر لأن المتنمرين يشتغلون بدهاء في الخفاء والأطفال الضحايا ضعفاء اجتماعيا وغير متواصلين مع ذويهم.
فحين يرى الشاب أن أحد البالغين يهتم حقا له ويفكر معه، آنذاك يصبح أكثر استعدادا للمغامرة بالتحدث عن تجاربه المؤلمة مع أقرانه.
خلاصة القول أن العلاقات الاجتماعية مسألة غاية في الأهمية!
تخصيص الوقت الكافي للمشكلة
إن العذر الوحيد الذي لا أتوقف عن سماعه من قبل الكبار عندما أقترح عليهم “التواصل مع الأطفال” هو عدم توفرهم على ما يكفي من الوقت في يومهم للقيام بذلك.
إن كثرة الأعمال والانشغالات والمواعيد وتكدس المهام التي لا تنتهي أبداً تستهلك الكثير من وقت الكبار الذين أصبحوا يعتقدون أنهم غير قادرين على توفير الوقت لعلاقاتهم الشخصية مع أطفالهم وأن ذلك أضحى من الكماليات التي لا يستطيعون تحمل الوصول إليها.
في الواقع أرفض أن أصدق ذلك! سيكون هناك دائما مهام مهمة علينا القيام بها، لكن الشباب نادرا ما يقتربون من الكبار بعد أن يتجاهلوهم أو يرفضون الاستماع إليهم وإلى همومهم.
الابتسامة
لنكن جديين، فالأمور الصغيرة البسيطة في عين الكبار تعتبر كبيرة ومهمة عند الشباب. فإذا كنت لا تزال قلقا من توفرك على ما يكفي من الوقت للتواصل مع أطفالك،
قم على الأقل بشيء بسيط ولن يكلفك من الوقت الكثير، ابتسم في وجه كل الشباب الذين تلتقيهم سواء في البيت أو في العمل.
وحين تفعل ذلك، أنظر إليهم والق عليهم التحية، وحبذا لو تناديتهم باسمهم الشخصي. أرجو أن لا يُفهم من هذا أنني أقلل من أهمية انتشار ظاهرة التنمر عندما أنصحكم بهذه الخطوة البسيطة.
لكنني أعتقد أن أهمية هذه الالتفاتة البسيطة الدافئة، تحية يومية من شخص بالغ من شأنها أن تساعد شابا بالشعور بأهميته وقيمته، وهذا أمر أساسي لحماية الطفل من آثار التنمر.
التواجد في أماكن التنمر
لا يستطيع الكبار التواجد في كل مكان في حياة أطفالهم، لكن بإمكانهم وضع استراتيجية هادفة للتواجد في المواقع التي غالبا ما تحدث فيها أعمال التنمر. وعلى الرغم من أن الكثير منها يحدث داخل المدرسة، إلا أن حولي 75٪ من حالات التنمر تقع خارج الفصول الدراسية.
لهذا فحضور الكبار بشكل فعال قد يكون من خلال التواجد في الممرات بين قاعات الدراسة أو الاختلاط مع الطلاب في الكافتيريا، والمراقبة من بعيد خلال فترات الاستراحة، والجلوس بين الأطفال في حافلة المدرسة، وبالطبع، وضع برامج لمراقبة سلوك الطفل على الانترنت.
أي من هذه الإجراءات أو كلها فعالة لكونها تسهل التواصل بين الكبار والأطفال وفي نفس الوقت تقلل من فرص المتنمرين المتربصين.
التدخل على الفور
التقيت مرة بأحد المدرسين الذي أكد لي أنه قد اضطلع بشكل واسع على كيفية الكشف عن أعمال التنمر داخل الفصول الدراسية وقد وفرت له إدارة المدرسة دورة تدريبية حول كيفية الابلاغ عن حالات ابتزاز محتملة…
لكنه اعترف لي أن ما كان حقاً يرغب في تعلمه هو كيفية التصرف الفعال، ماذا سيقول وكيف عليه أن يساعد، في لحظة الكشف عن مثل هذه الحالات.
في الواقع، الكثير منا يحاول جاهداً إيجاد الكلمات الملائمة عندما يشهد حادثة من حوادث التنمر.
لكن ما العمل إذن؟ في أغلب الحالات، يكون التدخل بأقل ما يمكن من الكلام هو الاكثر فعالية في مثل هذه المواقف.
إليكم هذا المثال
الذي عاينته مع أحد الأساتذة في المستوى الثانوي عندما لاحظ ثلاثة طلاب يضايقون زميلا لهم بسبب رسومات وضعها الشاب المراهق على ظهر دفتره. في تلك اللحظة، كان لدى الأستاذ خيارات محدودة.
إما أن يتجاهل الأمر ويستمر كأنه لم يسمع شيئا. وهو خيار معقول، خصوصا أنه لم يشرع بعد في إلقاء الدرس وكونه يتواجد على مسافة بعيدا عن الطلبة.
كما كان بإمكانه أن يختار الصراخ في وجه الطلبة المتنمرين وإخراجهم من قاعة الدرس بسبب كلامهم المستفز لزميلهم.
وهذا أيضا له مبرره، لكن قد يؤدي هذا الأمر بالانضباط إلى نتيجة عكسية إذا ما حاول الطلبة المتنمرون حفظ أنفتهم أمام أقرانهم بالسخرية من سلطة الأستاذ وبالتالي السخرية من الطالب الضحية.
لكن بدلا من ذلك، اختار الأستاذ التدخل بإيجاز شديد، عندما توجهه بالكلام المباشر إلى الطلبة المتنمرين من على مكتبه بصوت هادئ، قائلا:
“غير مقبول استعمال هذا الكلام للسخرية من زميلكم في الفصل، هل هذا واضح؟” وفي أقل من 10 ثوان، اختيار الأستاذ استخدام كلمات مباشرة وباحترام، مبلغا الطلبة المتنمرين بأنهم لن يذهبوا بعيدا في سلوكهم هذا وموجها رسالة أخرى إلى الطلبة الآخرين بأن هذا الفصل آمن من مثل هذه التصرفات.
لقد أعطى هذا الأستاذ مثالا يحتذى به في كيفية التعامل مع حالات التنمر والخروج منها بشكل فعال.
تعمل التدخلات الموجزة بشكل فعال لأنها لا تذل أو تنفر المتنمر، بل تجعل كل الشباب الحاضرين يوقنون أن هناك أشخاصا راشدين يراقبون كل شيء ويدركون خطط أقرانهم، وليسوا خائفين من التدخل. وهذه رسالة فورية إلى الجميع مفادها أن لا تسامح مع أي سلوك متنمر.